إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)
خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
أُولَٰئِاتقوا اللهالَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)
(ص 4)
تفسير الايات من الاية 6 الى 16
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
"إنّ الَّذِينَ كَفَرُوا" كَأَبِي جَهْل وَأَبِي لَهَب وَنَحْوهمَا "سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة أَلِفًا وَتَسْهِيلهَا وَإِدْخَال أَلِف بَيْن الْمُسَهَّلَة وَالْأُخْرَى وَتَرْكه "أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" لِعِلْمِ اللَّه مِنْهُمْ ذَلِك فَلَا تَطْمَع فِي إيمَانهمْ وَالْإِنْذَار إعْلَام مَعَ تَخْوِيف .
خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
"خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ" طَبَعَ عَلَيْهَا وَاسْتَوْثَقَ فَلَا يَدْخُلهَا خَيْر "وَعَلَى سَمْعهمْ" أَيْ مَوَاضِعه فَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ الْحَقّ "وَعَلَى أَبْصَارهمْ غِشَاوَة" غِطَاء فَلَا يُبْصِرُونَ الْحَقّ "وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم" قَوِيّ دَائِم
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ
"وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر" وَنَزَلَ فِي الْمُنَافِقِينَ أَيْ يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّهُ آخِر الْأَيَّام "وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ" رُوعِيَ فِيهِ مَعْنَى مِنْ وَفِي ضَمِير يَقُول لَفْظهَا
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
"يُخَادِعُونَ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا" بِإِظْهَارِ خِلَاف مَا أَبْطَنُوهُ مِنْ الْكُفْر لِيَدْفَعُوا عَنْهُمْ أَحْكَامه الدُّنْيَوِيَّة "وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنَفْسهمْ" لِأَنَّ وَبَال خِدَاعهمْ رَاجِع إلَيْهِمْ فَيُفْتَضَحُونَ فِي الدُّنْيَا بِإِطْلَاعِ اللَّه نَبِيّه عَلَى مَا أَبْطَنُوهُ وَيُعَاقَبُونَ فِي الْآخِرَة "وَمَا يَشْعُرُونَ" يَعْلَمُونَ أَنَّ خِدَاعهمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَالْمُخَادَعَة هُنَا مِنْ وَاحِد كَعَاقَبْت اللِّصّ وَذِكْر اللَّه فِيهَا تَحْسِين وَفِي قِرَاءَة وَمَا يَخْدَعُونَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
"فِي قُلُوبهمْ مَرَض" شَكّ وَنِفَاق فَهُوَ يُمْرِض قُلُوبهمْ أَيْ يُضْعِفهَا "فَزَادَهُمْ اللَّه مَرَضًا" بِمَا أَنْزَلَهُ مِنْ الْقُرْآن لِكُفْرِهِمْ بِهِ "وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم "بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ" بِالتَّشْدِيدِ أَيْ : نَبِيّ اللَّه وَبِالتَّخْفِيفِ أَيْ قَوْلهمْ آمَنَّا
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ" أَيْ لِهَؤُلَاءِ "لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض" بِالْكُفْرِ وَالتَّعْوِيق عَنْ الْإِيمَان "قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ بِفَسَادٍ قَالَ اللَّه تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ :
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ
"أَلَا" لِلتَّنْبِيهِ "إنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ" بِذَلِاتقوا الله.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس" أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء" الْجُهَّال أَيْ لَا نَفْعَل كَفِعْلِهِمْ قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ : "أَلَا إنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاء وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ" ذَلِك
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ
"وَإِذَا لَقُوا" أَصْله لَقْيُوا حُذِفَتْ الضَّمَّة لِلِاسْتِثْقَالِ ثُمَّ الْيَاء لِالْتِقَائِهَا سَاكِنَة مَعَ الْوَاو "الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا" مِنْهُمْ وَرَجَعُوا "إلَى شَيَاطِينهمْ" رُؤَسَائِهِمْ "قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ" فِي الدِّين "إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ" بِهِمْ بِإِظْهَارِ الْإِيمَان
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
"اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ" يُجَازِيهِمْ بِاسْتِهْزَائِهِمْ "وَيَمُدّهُمْ" يُمْهِلهُمْ "فِي طُغْيَانهمْ" بِتَجَاوُزِهِمْ الْحَدّ فِي الْكُفْر "يَعْمَهُونَ" يَتَرَدَّدُونَ تَحَيُّرًا حَال
أُولَئِاتقوا اللهالَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
"أُولَئِاتقوا اللهالَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى" أَيْ اسْتَبْدَلُوهَا بِهِ "فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتهمْ" أَيْ مَا رَبِحُوا فِيهَا بَلْ خَسِرُوا لِمَصِيرِهِمْ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ "وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ" فِيمَا فَعَلُوا